قال سفيان ابن عيينة:
المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم. و ليسا سواءا لأن
ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية. و ترك الفرائض من غير جهل ولا
عذر هو كفر.
و قال إسحاق ابن راهوية: غلت المرجئة
حتى صار من قولهم: من ترك الصلوات المكتوبة و صوم رمضان و الزكاة و الحج
و عامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره يرجأ أمره إلى الله بعد إذ
هو مقر. فهؤلاء الذين لا شك فيهم. قال الحافظ ابن رجب: يعني في أنهم
مرجئة.
و قريب منه قول سعيد بن جبير
و هو قول أبي بكر الحميدي و حكي رواية عن أحمد إختارها أبو بكر من أصحابه
بإختصار من فتح الباري للحافظ ابن رجب: 1 / 61-65
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه:قال حنبل: حدثنا
أبو بكر الحميدي قال: وأخبرت أن ناساً يقولون:
من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت،
ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت،
فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمان إذا كان مقراً بالفرائض واستقبال القبلة،
فقلت: هذا الكفر الصراح،
وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين . قال
تعالى:{وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} .
وقال حنبل
سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 7 / 209 ط.المجمع عام 1425هـ-2004
يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله – في شرح
رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في
البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله ، حيث جاء فيها : ( قال رجل لم
يعمل خيرا قط إلا التوحيد ) – قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وهذه اللفظة – يعني ( إلا التوحيد ) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا
الرجل ، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى ، والأصول كلها
تعضدها ، والنظر يوجبها ؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم
كفار ، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا ،
وهذا ما لا مدفع له ، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة ، وفي هذا الأصل ما
يدلك على أن قوله في هذا الحديث : ( لم يعمل حسنة قط ) ، أو ( لم يعمل
خيرا قط لم يعذبه ) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير ، وهذا سائغ في
لسان العرب جائز في لغتها ، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض ، والدليل
على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له : لم فعلت هذا ؟ فقال : من خشيتك
يا رب )
والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق ، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم ، كما
قال الله عز وجل: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
) قالوا : كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن
به . وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده .
ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن
أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن
زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله : خذ ما
يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا . فلما هلك قال الله : هل
عملت خيرا قط ؟ قال لا ، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس ، فإذا
بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا
، قال الله قد تجاوزت عنك )
قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه (
لعل الله يتجاوز عنا ) : إيمان وإقرار بالرب ، ومجازاته ، وكذلك قول الآخر
: ( خشيتك يا رب ) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى.
" التمهيد " (18/40-41)
ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد
هذا الحديث تحت باب : " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها
إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد
من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص " :
" هذه اللفظة : ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب ، ينفي
الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل
: لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال ، لا على ما أوجب عليه وأمر به ،
وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى.
" التوحيد " (2/732)
و لمن يحتج بهذين الحديثين في القول بحصول الإيمان
الواجب -الذي ينجيه من الخلود غي النار- لتارك العمل بمجرد القول و
الإعتقاد قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى / المجلد السابعإلى أن قال:
و له رحمه الله في تقرير هذه المسألة كلام ماتع في كتاب الإيمان الكبير و كتاب الإيمان الأوسط فاليرجع إليه