قال الشافعي- رحمه الله -:
المرء إن كان مؤمناً ورعاً | | أشغله عن عيوب الورى ورعه |
كما السقيم العليل أشغله | | عن وجع الناس كلهم وجعه |
21- ومن ترك مجاراة السفهاء، وأعرض عن الجاهلين حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم من سماع ما يؤذيه {
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199].
22- ومن ترك الحسد سلم من أضراره المتنوعة؛ فالحسد داء عضال، وسم قتَّال ومسلك شائن، وخلق لئيم، ومن لؤم الحسد أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والخلطاء، والمعارف، والإخوان.
قال بعض الحكماء: " ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحسود، نفس دائم، وهم لازم، وقلب هائم ".
23- ومن سلم من سوء الظن بالناس سلم من تشوش القلب، واشتغال الفكر، فإساءة الظن تفسد المودة، وتجلب الهم والكدر، ولهذا حذرنا الله عز وجل منها فقال: {
يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } . وقال صلى الله عليه وسلم: «
إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث » رواه البخاري ومسلم.
24- ومن اطَّرح الدعة والكسل، وأقبل على الجد والعمل، علت همّته، وبورك له في وقته، فنال الخير الكثير في الزمن اليسير.
ومن هجراللذات نال المنى..
ومن أكب على اللذات عض على اليد..
25- ومن ترك تطلب الشهرة وحب الظهور رفع الله ذكره، ونشر فضله، وأتته الشهرة تُجَرِّرُ أذيالها.
26- ومن ترك العقوق، فكان بَرَّاً بوالديه، رضي الله عنه، ورزقه الله الأولاد الأبرار وأدخله الجنة في الآخرة.
27- ومن ترك قطيعة أرحامه، فواصلهم، وتودد إليهم، واتقى الله فيهم، بسط الله له في رزقه، ونَسَأ له في أثره، ولا يزال معه ظهير من الله مادام على تلك الصلة.
28- ومن ترك العشق، وقطع أسبابه التي تمده، وتجرَّع غصص الهجر، ونار البعاد في بداية أمره وأقبل على الله بكليته رُزِقَ السلوَّ، وعزة النفس، وسلم من اللوعة والذلة والأسر، ومُليء قلبه حريةً ومحبة لله - عز وجل - تلك المحبة التي تلم شعث القلب، وتسد خلته، وتشبع جوعته، وتغنيه من فقره؛ فالقلب لا يسر ولا يفلح، ولا يطيب ولا يسكن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه والإنابة إليه.
29- ومن ترك العبوس والتقطيب، واتصف بالبشر والطلاقة - لانت عريكته، ورقت حواشيه، وكثر محبوه، وقل شانؤوه.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «
تبَسُّمك في وجه أخيك صدقة » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
قال ابن عقيل الحنبلي: " البشر مُؤَنِّسٌ للعقول، ومن دواعي القبول، والعبوس ضده ".
وبالجملة فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
فالجزاء من جنس العمل {
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }
مثال على "من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه"
وإذا أردت مثالاً جلياً، يبين لك أن من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، فانظر إلى قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، فلقد راودته عن نفسه فاستعصم، مع ما اجتمع له من دواعي المعصية، فلقد اجتمع ليوسف ما لم يجتمع لغيره، وما لو اجتمع كله أو بعضه لغيره لربما أجاب الداعي، بل إن من الناس من يذهب لمواقع الفتن بنفسه، ويسعى لحتفه بظلفه، ثم يبوء بعد ذلك بالخسران المبين، في الدنيا والآخرة إن لم يتداركه الله برحمته.
أما يوسف عليه السلام فقد اجتمع له من دواعي الزنا ما يلي:
1- أنه كان شاباً، وداعية الشباب إلى الزنا قوية.
2- أنه كان عزباً، وليس له ما يعوضه ويرد شهوته.
3- أنه كان غريباً، والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحيي منه بين أصحابه ومعارفه.
4- أنه كان مملوكاً، فقد اشتري بثمن بخس دراهم معدودة، والمملوك ليس وازعه كوازع الحر.
5- أن المرأة كانت جميلة.
6- أن المرأة ذات منصب عال.
7- أنها سيدته.
8- غياب الرقيب.
9- أنها قد تهيّأت له.
10- أنها غلقت الأبواب.
11- أنها هي التي دعته إلى نفسها.
12- أنها حرصت على ذلك أشد الحرص.
13- أنها توعدته إن لم يفعل بالصغار.
ومع هذه الدواعي صبر إيثاراً واختياراً لما عند الله، فنال السعادة والعزّ في الدنيا، وإن له للجنة في العقبى، فلقد أصبح السيد، وأصبحت امرأة العزيز فيما بعد كالمملوكة عنده، وقد ورد أنها قالت: " سبحان من صير الملوك بذل المعصية مماليك، ومن جعل المماليك بعز الطاعة ملوكاً ".
فحري بالعاقل الحازم، أن يتبصّر في الأمور، وينظر في العواقب، وألا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الآجلة الباقية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
12 / 7 / 1425 هـ