مناهجنا الدراسية واختلاف المفاهيم حولها
العدد 11487
الخميس 20 محرم 1425
11 مارس 2004
الحمد لله الذي أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبلغ عن الله ما أنزل إليه من ربه، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فما يزال أهل الأهواء في نظرتهم إلى الحق في أمر مريج و(في قول مختلف، يؤفك عنه من أفك).. قالوا عن القرآن إنه سحر، وإنه أساطير الأولين، وإنه شعر لأنهم في معارضتهم للحق ليس عندهم برهان يستندون إليه في معارضتهم فاختلفت بهم الأهواء، وتعددت منهم الآراء، وهكذا من أعرض عن الحق فإنه يكون في ضلال مبين، (فماذا بعد الحق إلا الضلال). واليوم كثرت الصيحات حول المناهج الدراسية في مدارس المسلمين عموماً، وفي مدارس هذه البلاد خصوصاً للمطالبة بتغييرها، ولو كانت هذه الصيحات والمناداة من الكفار لهان الأمر، لأن ذلك ليس غريباً منهم فهم يريدون اجتثاث الإسلام من أصله، كما قال الله تعالى فيهم: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} وقال تعالى: {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} وقال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.. ولكن الغريب والمؤسف حقاً أن تأتي هذه الصيحات من بعض بني الإسلام الذين يفترض فيهم الغيرة لدينهم والمحافظة على مناهجهم والرد على دعوات أعدائهم. فمنهم من يقول: إنها تعلم الإرهاب لأنها بزعمهم تعلم الولاء والبراء اللذين أمر الله بهما في كتابه وسنة رسوله، فلا دين إلا بولاء وبراء، كما قال بعض العلماء:
وما الدين إلا الحب والبغض والولا كذاك البرا من كل غاد وآثم
والولاء معناه محبة الدين الإسلامي وأهله، والبراء معناه بغض الكفر وأهله، لكن هم فهموا أن الولاء والبراء معناهما الاعتداء على الناس في دمائهم وأموالهم بغير حق، وربما يستشهدون بفعل بعض الفئات الضالة التي قامت بالتفجيرات في البلاد وروعت العباد وأفسدت في الأرض، وهذه الفئات ليست حجة على المسلمين فهي فئات ضالة يحذر منها ومن عملها الإسلام ويبرأ منها المسلمون وهي لا تمثل المسلمين ولم تتخرج على مناهج المسلمين وإنما تخرجت على أفكار منحرفة تلقتها من هنا وهناك من ضلال البشر ووحوش العالم.
وعقيدة الولاء والبراء لا تجيز الاعتداء على الناس، قال الله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، أي لا يحملكم بغض الكفار وبغض دينهم على الاعتداء عليهم والجور في حقهم وعدم إنصافهم، ومنع حقوقهم. كما أن عقيدة الولاء والبراء في الإسلام لا تحرم التعامل مع الكفار في البيع والشراء والمعاهدات وتبادل المنافع والخبرات وعقد الصلح وعقد الأمان والهدنة بيننا وبينهم، وإنما مقتضى الولاء والبراء الاحتفاظ بديننا والحذر من دين الكفار، ومن شرهم.
ومنهم من يقول: إن المناهج الدراسية عندنا تعلم التشدد والغلو.. وهذا على العكس فمناهجنا تعلم الوسطية والاعتدال وتنهى عن الإفراط والتفريط، لكن هؤلاء فهموا أن بيان العقيدة الصحيحة والعقيدة الباطلة وبيان الحلال والحرام والسلوك الطيب المعتدل والنهي عن الانحلال أنه تشدد وغلو، وهذا مفهوم خاطىء لأن الله سبحانه أمر بعبادته وحده ونهى عن عبادة ما سواه، وأحل الطيبات وحرم الخبائث وحث على الصدق في القول والعمل، فمن تعلم هذا ودرسه وأمر به فهو معتدل لا متشدد، وإنما الغالي والمتشدد والمفرط هو من خالف هذا المنهج، ولهذا قال بعض السلف: دين الله بين الغالي والجافي، وإذا وجد متشدد ومتطرف فهذا لا يمثل الإسلام وليس حجة على المناهج الدراسية لأنه لم يتلق ذلك عنها، وإنما تلقاه من خارجها وبعيداً عنها فهو من الشاردين في فكره وعقله ودينه، قد اعتزل المسلمين وعاش متوحشاً.
وقال بعضهم: إن المناهج تعلم التكفير، لأنها تبين نواقض الإسلام وتبين أنواع الشرك والكفر والنفاق وتحذر من البدع والمحدثات، وتعليم هذه الأمور -عندهم وبزعمهم- تكفير للمسلمين.. ونقول: حاشى وكلا، فمناهجنا -والحمد لله- لم تكفر مسلماً ولم تبدع سنياً، وإنما تحذر من أسباب الردة وتحذر من الكفر والشرك والابتداع في الدين حماية للإسلام والمسلمين وتبصيرا للناس، وهذا شيء موجود في الكتاب والسنة. والمسلم إذا درس هذه الأمور وتعلمها ليس معناه أنه يحكم على الناس بالكفر والشرك والتبديع دون مبرر، وإنما معناه أن يعرف هذه الأمور ليتجنبها ويحذر منها ولا يطبقها إلا على من تنطبق عليه حقيقة لا توهماً. ثم إن هذه الأمور لها مراجعها العلمية، وليس من حق كل طالب علم أن يحكم بها على الناس دون تثبت وبصيرة، أرأيتم لو ترك بيان هذه الأمور ولم تدرس للطلاب في المناهج على بصيرة وعلى أيدي علماء متخصصين، أليس الخطر أشد إذا تلقوها عن الكتب المجردة أو عن أصحاب الأفكار المنحرفة، فكونهم يبصرون بها عن طريق المناهج الدراسية والتعليم المنضبط أسلم عاقبة وأضمن نتيجة.
وختاماً.. نسأل الله أن يهدينا وجميع المسلمين لمعرفة الحق والعمل به وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
في مضامين كلمة ولي العهد حفظه الله
العدد 11452
الخميس 14 ذو الحجة 1424
5 فبراير 2004
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وآله وأصحابه ومن اتبع سنته ووالاه.
وبعد: فقد استمعت وقرأت كما استمع وقرأ غيري كلمة سمو ولي العهد الأمير:عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله التي ألقاها سموه في وسائل الإعلام ونشرتها الصحف والمجلات وهي بمنزلة منهج يسير عليه الحوار الوطني الذي أقيم ويقام في المملكة العربية السعودية والذي يكون الغرض منه إتاحة الفرصة لإبداء الآراء في حل المشكلات التي تعترض سير البلاد نحو الأصلح والمفيد وإيصال كلمة الحق إلى المخالف بطريقة مقنعة حكيمة على حد قوله تعالى: (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) وكان من ضمن كلمته حفظه الله:ألا تمس العقيدة باسم حرية الرأي وأن الغلو كما يكون في الزيادة في الدين يكون في التساهل والتفريط فيه والتمرد على أحكامه.. وهما نقطتان مهمتان تعنيان أنه لا مساومة على عقيدة التوحيد وأحكامها بل تبقى كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار عليها خلفاؤه الراشدون وصحابته الأكرمون والقرون المفضلة والأئمة الأربعة وأتباعهم من أهل السنة والجماعة من التمسك بالعقيدة كما جاءت في الكتاب والسنة بأقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية.. وتوحيد الأسماء والصفات.. وما يتبع ذلك من محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والترضي عنهم والاقتداء بهم والثناء عليهم كما أثنى الله عليهم ورضي عنهم وأمر باتباعهم حيث قال جل وعلا: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين يها أبداً ذلك الفوز العظيم) وما يتبع هذه العقيدة من موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله عملاً بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق). إن هذه العقيدة قد جرى عليها وعلى أهلها من الامتحان ما جرى ويجري في مختلف العصور كما هو واقع ومشاهد الآن من خصومها ولكن قد قيض الله الأئمة المصلحين والمجددين يذبون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين..من أمثال الأئمة الأربعة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه والإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب..وقيض لها من السلاطين والملوك من قام إلى جانب هؤلاء العلماء المجددين المصلحين بالحماية لدعوتهم والجهاد في سبيلها من أمثال الأئمة والملوك من آل سعود الذين ناصروا دعوة الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله والذين لا يزالون, والحمد لله, يناصرون الحق ويقمعون الباطل فمكن الله لهم في الأرض كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقداكم) وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز, الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) إن كلمة سمو ولي العهد - حفظه الله - بعثت الثقة في نفوس المؤمنين وطمأنتهم أن هذه الدولة بمشيئة الله ستحافظ على عقيدة التوحيد في مناهج الدراسة وفي جميع المجالات ولا تلتفت إلى أهواء المغرضين والمعرضين عن الحق الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر كأسلافهم من المنافقين. وصدق سمو ولي العهد - حفظه الله - حينما قال إن الغلو كما يكون في الزيادة في الدين يكون في التساهل فيه, فالتسامح في الدين إنما يكون بالعمل بالرخص الشرعية وقت الحاجة إليها وفي حدود الحاجة وليس معناه التحلل من أحكام الدين والتمرد على الشريعة وترك الواجبات وارتكاب المحظورات باسم التيسير وترك التزمت كما يقولون.
أما العقيدة فلا مجال للتلاعب بها باسم حرية الرأي كما قال حفظه الله لأن العقيدة توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها لأنها مبنية على الكتاب والسنة, فما لم يرد في الكتاب والسنة من الآراء والاجتهادات فهو مردود ومرفوض وصاحبه مخطىء ضال ولهذا رد الأئمة قديماً وحديثاً على أصحاب العقائد الباطلة والأفكار المنحرفة وبينوا العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة لا من الآراء والأفكار وهذا من حفظ الله لهذا الدين كما قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى) ولما أخبر صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة قال: (كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) إذاً العقيدة الصحيحة هي عقيدة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلا مجال للآراء المختلفة والمخالفة لهذه العقيدة وهذه العقيدة - ولله الحمد - محفوظة ومدونة في كتب أهل السنة - وهي تدرس الآن في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وتقوم عليها مناهجنا الدراسية ولا مجال لانتقادها والطعن فيها باسم حرية الرأي كما قال سمو ولي العهد حفظه الله (إن هذه الدولة السعودية المباركة قامت على العقيدة الصحيحة وإن من يريد اجتثاث هذه العقيدة إنما يريد اجتثاث الدولة) ولكن: (يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون) وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأسماء لا تغير الحقائق
العدد 11590
الثلاثاء 4 جمادى الأولى 1425
22 يونيو 2004
إن من المغالطات المكشوفة تسمية الأشياء بغير اسمها تلبيسا على الناس وتغريراً بالجهال، ومن ذلك تسمية التخريب والاعتداء على الناس وسفك الدماء المحرمة وإتلاف الممتلكات مما تقوم به تلك الفئة الضالة ويسمون ذلك جهادا في سبيل الله ويسمون الانتحار استشهاداً، وربما ينخدع بعض الناس خصوصاً صغار السن بهذا التضليل وينخرطون معهم في الإفساد في الأرض ونقول لهؤلاء ومن اغتر بهم:
أولاً: الجهاد في سبيل الله هو قتال الكفار والمشركين لإزالة الشرك ونشر التوحيد بعد دعوتهم إلى الله وامتناعهم من قبول الدعوة، وتنظيم الجهاد والإشراف عليه من صلاحيات إمام المسلمين، لأن الذي تولاه في عصور الإسلام كلها هم ولاة الأمور، ابتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ومن جاء بعدهم من ولاة أمور المسلمين، وليس الجهاد فوضى، كل يقوم به ويأمر به، والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ } (38) سورة التوبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإذا استنفرتم فانفروا) فلا يجوز للمسلم أن يجاهد إلا إذا استنفر للجهاد والذي يستنفر هو ولي أمر المسلمين، إذا توفرت شروط الجهاد وزالت موانعه.
ثانياً: الجهاد لا يكون بقتل المسلمين والمستأمنين، وإنما يكون مع الكفار المحاربين، وأما قتل المسلمين والكفار المستأمنين فإنه عدوان وظلم، والله قد حرم العدوان والظلم في حق المسلم والكافر، وليس هذا العدوان جهادا في سبيل الله، وإنما هو جهاد في سبيل الشيطان، والمسلم لا يرضى أن يكون من جند الشيطان ومن أولياء الشيطان.
ثالثاً: لا يجوز قتل الكافر المستأمن والمعاهد والذمي بحجة أن الكفار الآن يقتلون المسلمين كما يحتج بذلك الجهال، لأن الله تعالى يقول: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (164) سورة الأنعام، وهذا من فعل الجاهلية الذين كانوا يقتلون البريء بحجة الانتقام من المجرم، وأيضا هذا قتل لمن يحرم قتله.
رابعاً: الانتحار ليس استشهاداً لأن المنتحر يتعمد قتل نفسه، ومن قتل نفسه فهو متوعد بالنار كما صحت بذلك الأحاديث والله تعالى يقول:{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا } (169) سورة آل عمران، ولم يقل قتلوا أنفسهم، والمقتول في سبيل الله مأجور، وقاتل نفسه آثم ففرق بين الحالتين، ولا يسوي بينهما إلا ملبس أو جاهل.. فنصيحتي لهؤلاء الذين غُرِّر بهم وخدعوا بهذا الفكر المنحرف أن يرجعوا إلى صوابهم، ويتوبوا إلى ربهم ويلقوا سلاحهم ويضعوا أيديهم بأيدي إخوانهم، وولاة الأمور - حفظهم الله - قد وعدوا من سلم نفسه تائباً أنه سيعامل معاملة خاصة.. والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
[b]يتبع